قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى
وفي عيادة المرضي فوائد للعائد وفوائد للمعود.
أما العائد فإنه يؤدي حق أخيه المسلم؛ لأن من حق أخيك المسلم أن تعوده إذا مرض.
ومنها: أن الإنسان إذا عاد المريض فإنه لا يزال في مخرفة الجنة، يعني يجنى ثمار الجنة حتى يعود.
ومنها: أن في ذلك تذكيراً للعائد بنعمة الله عليه بالصحة، لأنه إذا رأي هذا المريض، ورأي ما هو فيه من المرض، ثم رجع إلي نفسه، ورأي ما فيها من الصحة والعافية عرف قدر نعمة الله عليه بهذه العافية؛ لأن الشيء إنما يعرف بضده.
ومنها: أن فيها جلبا للمودة والمحبة، فإن الإنسان إذا عاد المريض صارت هذه العيادة في قلب المريض دائماً، يتذكرها، وكلما ذكرها أحب الذي يعوده، وهذا يظهر كثيراً فيما إذا برأ المريض، وحصلت منه ملاقاة لك تجده يتشكر منك، وتجد أن قلبه ينشرح بهذا الشيء.
أما المعود: فإن له فيها فائدة أيضاً، لأنها تؤنسه، وتشرح صدره، ويزول عنه ما فيه من الهم والغم والمرض.
وربما يكون العائد موفقاً يذكره بالخير والتوبة والوصية؛ إذا كان يريد أن يوصي بشيء عليه من الديون وغيرها، فيكون في ذلك فائدة كبيرة للمعود.
ولهذا قال العلماء: ينبغي لمن عاد المريض أن ينفس له في أجله؛ أي يفرحه يقول: ما شاء الله، أنت اليوم في خير وما اشبهه، وليس لأزماً أن يقول له: أنت طيب مثلاً؛ لأنه قد يكون اشد مرضاً من أمس، لكن يقول أنت اليوم في خير، لأن المؤمن كل أمره خير، إن أصابه ضراء فهو في خير، وإن أصابه سراء فهو في خير، فيقول: اليوم أنت بخير والحمد لله، وما أشبه ذلك مما يدخل عليه السرور.
والاجل محتوم، إن كان هذا المرض أجله مات، وإن كان بقي له شيء من الدنيا بقي.
وينبغي أيضاً أن يذكره التوبة، لكن لا يقول له ذلك بصفة مباشرة؛ لأنه ربما ينزعج، ويقول في نفسه لو أن مرضي غير خطير ما ذكرني بالتوبة.
لكن يبدأ بذكر الآيات والأحاديث التي فيها الثناء على التائبين ما يتذكر به المريض، وينبغي كذلك أن يذكره الوصية، لا يقول له: أوص فإن أجلك قريب، لو قال هكذا انزعج.
بل مثلاً: يذكره بقصص واردة عليه، يقول مثلاً فلان كان عليه دين، وكان رجلاً حازماً، وكان يوصي أهله بقضاء دينه، وما أشبه ذلك من الكلمات التي لا ينزعج بها.
قال أهل العلم: ينبغي أيضاً إذا راي منه تشوفاً إلي أن يقرأ عليه؛ فينبغي أن يقرأ عليه، ينفث عليه بما ورد عن النبي صلي الله عليه وسلم.
مثل قوله: ((أذهب البأس رب الناس، واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً))
ومثل قوله: ((ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك، أمرك في السماء والأرض كما رحمتك في السماء، فاجعل رحمتك في الأرض، اغفر لنا حوبنا وخطايانا أنت رب الطيبين، أنزل رحمة من رحمتك وشفاء من شفائك على هذا الوجع فيبرأ))
أو يقرأ عليه بسورة الفاتحة؛ لأن سورة الفاتحة رقية يقرأ بها علي المرضى، وعلى الذين لدغتهم العقرب، أو الحية، أو ما أشبه ذلك، فمتي راي العائد من المريض أنه يحب ان يقرأ عليه فليقرأ لئلا يلجيء المريض علي طلب القراءة، لأن النبي صلي الله عليه وسلم قال: ((رأيت مع أمتي سبعين ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب))
وقال: هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون))
فقوله: ((لا يسترقون))
أي: لا يطلبون أحداً يقرأ عليهم، فأنت إذا رأيته يتشوق لتقرأ عليه، اقرأ عليه، لئلا تحرجه إلي طلب القراءة.
كذلك أيضاً إذا رأيت أن المريض يحب أن تطيل المقام عنده، فأطل المقام؛ فأنت على خير وعلى أجر، فأطل المقام عنده، وأدخل عليه السرور، ربما يكون في دخول السرور على قلبه سبباً لشفائه؛ لأن سرور المريض وانشراح صدره من أكبر أسباب الشفاء، فإذا رايت أنه يحبك تبقى فابق عنده، وأطل الجلوس عنده حتى تعرف أنه قد مل.
أما إذا رأيت ان المريض متكلف ولا يحب أنك تبقى، أو يحب أن تذهب عنه حتى يحضر أهله ويأنس بهم فلا تتأخر، اسأل عن حاله ثم انصرف.
شرح رياض الصالحين
https://t.me/AbuToIhaAhmedmusa