البحث عن إجابات
تفصيل خلاف العلماء في حكم استلحاق ابن الزنا 192131
السؤالفي بعض الفتاوى في الموقع ذكرتم أن ابن الزنا لا ينسب إلى أبيه وأنه قول جمهور العلماء ، وفي فتاوى أخرى ذكرتم أن بإمكانه استلحاقه به ، فما الصواب في هذه المسألة ، وهل القول بجواز الاستلحاق قول معتبر يمكن الأخذ به ؟ وما الدليل على هذا القول ؟
ملخص الجوابأن القول بالمنع والجواز قولان معتبران عند أهل العلم ، وهذه المسألة من مسائل الاجتهاد ، ويبقى النظر في كل واقعة بملابساتها ، فإذا كان الولد يضيع ديناً أو دنياً فالأخذ بالقول بالاستلحاق فيه تحقيق مصلحة حفظه ، وهي مصلحة شرعية . نسأل الله السلامة والعافية .
الجوابالحمد لله.
أولاً :
من المهمات التي اعتنت بها الشريعة " النسب" وهو لحمة شرعية بين الأب وابنه تنتقل من السلف إلى الخلف ؛ ويترتب عليه الكثير من الأحكام في: الرضاع ، والنكاح ، والحضانة ، والولاية ، والنفقة ، والميراث ، والقصاص ، وحد السرقة ، والقذف ، والشهادة وغيرها .
قال الشاه ولي الله الدهلوي : " اعْلَم أَن النّسَب أحد الْأُمُور الَّتِي جُبل على محافظتها الْبشر، فَلَنْ ترى إنْسَانا فِي إقليم من الأقاليم الصَّالِحَة لنشء النَّاس إِلَّا وَهُوَ يحب أَن ينْسب إِلَى أَبِيه وجده ، وَيكرهُ أَن يقْدَح فِي نسبته إِلَيْهِمَا... فَمَا اتّفق طوائف النَّاس على هَذِه الْخصْلَة إِلَّا لِمَعْنى فِي جبلتهم ، ومبنى شرائع الله على إبْقَاء هَذِه الْمَقَاصِد الَّتِي تجْرِي بجري الجبلة " انتهى من "حجة الله البالغة" (2/ 222).
وقال ابن القيم : " إثْبَاتَ النَّسَبِ فِيهِ حَقٌّ لِلَّهِ ، وَحَقٌّ لِلْوَلَدِ ، وَحَقٌّ لِلْأَبِ ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ أَحْكَامِ الْوَصْلِ بَيْنَ الْعِبَادِ مَا بِهِ قِوَامُ مَصَالِحِهِمْ ، فَأَثْبَتَهُ الشَّرْعُ بِأَنْوَاعِ الطُّرُقِ الَّتِي لَا يَثْبُتُ بِمِثْلِهَا نِتَاجُ الْحَيَوَانِ" انتهى من "الطرق الحكمية" (ص: 191)
وقد اتفق العلماء على أن الفراش هو الأصل في ثبوت النسب ، والمراد بالفراش : الزوجية القائمة بين الرجل والمرأة .
قال الشيخ عبد الوهاب خلاف : " المراد شرعاً بالفراش : الزوجية القائمة حين ابتداء الحمل ، فمن حملت وكانت حين حملت زوجة يثبت نسب حملها من زوجها الثابتة زوجيتها به حين حملت، من غير حاجة إلى بينة منها، أو إقرار منه، وهذا النسب يعتبر شرعا ثابتا بالفراش". انتهى من "أحكام الأحوال الشخصية" (ص: 186)
قال ابن القيم : " فَأَمَّا ثُبُوتُ النَّسَبِ بِالْفِرَاشِ فَأَجْمَعَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ ". انتهى من "زاد المعاد" (5/368).
وقال ابن الأثير : " وإثبات، النسب وإلحاقه بالفراش المستند إلى عقد صحيح أو ملك يمين، مذهب جميع الفقهاء ، لم يختلف فيه أحد من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من المجتهدين وغيرهم " انتهى من "الشافي في شرح مسند الشافعي" (5/49)
واختلف العلماء في الزاني إذا أراد استلحاق ابنه من الزنا به ، هل يثبت نسبه له شرعاً أم لا ؟
ثانياً :
لمسألة استلحاق الزاني لابنه من الزنا صور:
الأولى :
أن تكون المرأة المزني بها ذات فراش ، أي متزوجة ، وأتت بولد بعد ستة أشهر من زواجها ، ففي هذه الحال ينسب الولد إلى الزوج ، ولا ينتفي عنه إلا بملاعنته لزوجته.
ولو ادعى رجل آخر أنه زنى بهذه المرأة وأن هذا ابنه من الزنا ، لم يلتفت إليه بالإجماع ، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ) رواه البخاري (2053) ، ومسلم (1457).
قال ابن قدامة : " وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ إذَا وُلِدَ عَلَى فِرَاشٍ رَجُلٍ ، فَادَّعَاهُ آخَرُ : أَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ " انتهى من "المغني" (9/123) .
الثانية :
أن لا تكون المرأة ذات فراش ، ولا يستلحقه الزاني به ، ولا ادَّعي أنه ابنه من الزنا ، ففي هذه الحال لا يُلحق به أيضاً قولاً واحداً .
فلم يقل أحد من أهل العلم بإلحاق ولد الزنا بالزاني من غير أن يدعيه الزاني.
وقد أشار الماوردي في "الحاوي الكبير" (8/455) إلى " إِجْمَاعِهِمْ عَلَى نَفْيِهِ عَنْهُ مَعَ اعْتِرَافِهِ بِالزِّنَا".
أي إذا لم يدعه .
الصورة الثالثة :
إذا لم تكن المرأة فراشاً لأحد ، وأراد الزاني استلحاق هذا الولد به .
فهذه الصورة محل الخلاف بين العلماء.
قال ابن قدامة : " وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا وُلِدَ عَلَى غَيْرِ فِرَاشٍ " .
انتهى من "المغني" (9/123).
وهي مسألة مهمة جداً كما قال ابن القيم: " هَذِهِ مَسْأَلَةٌ جَلِيلَةٌ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهَا " انتهى من "زاد المعاد" (5/381).
ثالثاً:
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين مشهورين :